مساجد مستوطنة التتار القديمة

23 أغسطس
من بين المعالم التاريخية والمعمارية لمستوطنة التتار القديمة هناك نصب تذكاري يثير لدى المسلمين على مدار قرنين من الزمن شعورا خاصا – شعورا بالتوقير. هذا النصب هو أحد أقدم وأول مسجدين حجريين في المدينة، تم بنائهما بعد فتوحات خانية قازان، وقد بات المسجد معروفا الآن باسم الشخصية الدينية البارزة شيغابوتدين مَرجاني.
وبدأ المبنى ناصع البياض ذات المئذنة الأنيقة والهلال الذهبية، الذي يعلو بجلال على الشاطئ المرتفع لبحيرة كابان، تاريخه في عام 1767 البعيد، عندما أنعمت الإمبراطورة كاترين الثانية بزيارة لمركز المقاطعة. وتكرمت الإمبراطورة المستنيرة حينها باستقبال وفد تمثيلي من سكان التتار واستمعت بلطف إلى عريضة اشتكى فيها المسلمون من أن حريق عام 1749 والإجراءات الجائرة للسلطات المحلية حرمتهم من حقهم الطبيعي في ممارسة شعائرهم الدينية.
وطلب أعضاء الوفد، المؤلف من تجار ورجال الأعمال الأثرياء في قازان، من “الشفيعة” وقف الاضطهاد والسماح لسكان المستوطنة ببناء مسجدين حجريين. وبالفعل، أمرت كاترين الثانية، المؤيدة القوية للتسامح الديني في الدولة، الحاكم أندريه نيكيتيش كفاشنين-سامارين بإصدار تصريح مناسب وعدم إعاقة التتار في أعمال البناء.
عند زيارة مدينة قازان في مايو 1767، أعربت الإمبراطورة عن تقديرها الكبير للاستقبال الذي حفّها به سكان المدينة. وأكدت في رسائلها مرارا بعدها اهتمامها بهذه المدينة القديمة وبسكانها: “من الصعوبة مغادرة هذا المكان؛ هناك العديد من الأشياء المختلفة التي تستحق النظر، فيما يمكن جمع الأفكار هنا لمدة عشر سنوات لاحقة”. كما أولت اهتماما لافتا لاحتياجات الجالية المسلمة في قازان، بعد أن استمعت بعناية إلى ممثلي وفد مستعمرات التتار، الذين طلبوا، بحضور حاكم قازان، والمستشار السري والسناتور أ. ن. كفاشنين-سامارين، من الإمبراطورة الحصول على أعلى إذن لبناء مسجدين حجريين في المستوطنة.
برر تتار المستوطنة التماسهم بصعوبات كبيرة في ممارسة شعائرهم الدينية، مشيرين إلى أنه “في تلك المستوطنة القديمة، وعلى الرغم من تبقي مسجد خشبي واحد، إلا أنه صغير، فضلا عن أنه متداعي للغاية، ولأنهم حرموا بموجب قانونهم من مثل هذه المساجد، فيما كان من غير الممكن الذهاب إلى الصلاة في أماكن نائية أخرى، لهذا السبب تركوا تقريبا جميع حرفهم وأعمالهم اليدوية”. ووفقا للحاكم، فإن “صاحبة الجلالة الإمبراطورية، التي نزلت عند طلبهم، تكرمت شفهيا بالسماح لهم ببناء المساجد، ووعدت بإصدار أمرا مكتوبا للسيد السيناتور، والذي هو بانتظاره إذ لم يكن بإمكانه أن يتسبب بعرقلة بناء المساجد”.
هذا، واستشهد ك. ناصري بأسطورة تفيد بأن كاترين، بعد أن قبلت التماس تجار قازان وأعطت موافقتها، أشارت بنفسها إلى موقع بناء المسجد. وكتب الباحث: “لقد أظهرت كرما كبيرا للمسلمين، وسألت حين كانت بينهم، عما إذا كانوا يعانون من مشاكل من الشعب الروسي. فلم يشتكي المسلمون من الروس على الإطلاق”، وأجابوها: “الحمد لله، نحن لا نعرف أي عذاب”.
وفرز مسلمو قازان عمليا على الفور تقريبا أراض لبناء المسجدين، حيث تم الانتهاء من بناء المساجد بحلول عام 1771. وفي المعلومات الأسطورية التي استشهد بها ك. ناصري، أشير إلى أن المساجد قد شُيدت باستعجال كبير: “راغبين في اغتنام الفرصة المواتية التي قدمتها الإمبراطورة كاترين الثانية في أسرع وقت ممكن. لكن التسرع أدى إلى حقيقة أنه عند وضع أساس المبنى، تم تحديد الاتجاه إلى مكة بشكل غير دقيق، مما أدّى إلى انحراف القبلة في كلا المسجدين إلى حد ما”. (يجب أن يواجه المسجد الكعبة المشرفة في مدينة مكة المكرمة). وعندما حان وقت بناء المئذنة، فإن سلطات المدينة، التي شعرت بالقلق إزاء ارتفاعها، كتبت إلى كاترين الثانية: “على الرغم من أنك منحت المسلمين الإذن ببناء المساجد، لكنهم يبنون عاليا جدا”. فأجابت الإمبراطورة على هذا النحو: “لقد خصصت لهم مكانا على الأرض، بينما هم أحرار في الصعود إلى السماء حسب تقديرهم، لأن السماء لا تدخل في نطاق ممتلكاتي”.
ساليخوف راديك
مدير معهد التاريخ باسم ش. مرجاني التابع لأكاديمية العلوم في جمهورية تتارستان، دكتور في العلوم التاريخية، عالم مشرف في جمهورية تتارستان، عضو عامل في أكاديمية العلوم في جمهورية تتارستان